A Letter to Berlin

Asmaa Essakouti

 

In Spring 2022, Asmaa Essakouti was writing tutor in the Socrates course ‘‘I, We and Freedom in the City’’, an evening course in Sociology and Political Philosophy instructed in Arabic language. As the last assignment in the course, participants were asked to wander aimlessly in Berlin, and to transcribe their thoughts, impressions and feelings. Curiously, this simple exercise generated vastly different texts, which have only Berlin in common: Asmaa writes a letter to Berlin, opening with the joke of the old woman who left heaven for hell after hearing the damned partying boldly, while she in heaven lived in a calmness that reminded of hospitals. The joke goes on, telling how the old woman enjoyed the adventure of visiting hell the first time and how she demanded to be moved permanently to hell afterwards. Yet, once settled in the new place, she is met with burning sticks and unbearable beating, and a grim announcement: in the first visit you were a tourist, now you are a resident. Through this dark allegory, the author compares her first impressions as a tourist in Berlin, enjoying the museums, clubs and bars, with her experience as a resident, who can hardly find a room, or speak German in the post office or in the bank. It is a personal account of finding a new home in Berlin, told in an ironic tone that “mimics the harshness of this complicated strange city”.



رسالة إلى برلين

 

عزيزتي برلين،

هل سبق لك أن سمعت بنكتة المرأة التي دخلت الجنة فوجدتها أشبه بمنتجع صحي، هادئة، بيضاء، ومريحة لدرجة الملل. ثم ما لبثت أن سمعت موسيقى  صاخبة تأتي من بعيد. سألت الملائكة عن مصدر الحفل ومن يقيمه فأخبروها أن أهل جهنم يقيمون أحد حفلاتهم المعتادة. بعد طول تفكير، استأذنت المرأة حراس جنتها للانضمام إلى حفل جهنم، وهناك رقصت وضحكت وشربت، وفي نهاية الحفل عادت إلى جنتها “المونوتون”. هكذا، عرفت المرأة أنها لا تنتمي إلى هدوء الجنة ولا ترغبه. من ثم، طلبت من الملائكة أن يأذنوا لها بزيارة ثانية للجحيم. وافق الملائكة، ولكن بشرط أن لا تعود ثانية إليهم وأن تبقى هناك في النار إلى الأبد. هكذا، وكمن عقد صفقة رابحة، انطلقت المرأة مهرولة نحو الجحيم غير آسفة على الجنة وهدوءها المستفز. ولكن، بمجرد أن نزلت إلى الجحيم هذه المرة استقبلتها النيران والسيخان المحمية والسيط وكل ما أخبرتنا الأديان عنه من عذاب شديد. صرخت المرأة مستفسرة عن سبب هذا التحول الدرامي، وبنفس واحد أخبرها الزبانية وأهل الجحيم معا: في أول زيارة كنت سائحة أنت الان مقيمة!

 

ما فعلتِه بي شبيه بهذه الحكاية. حين أتيتك سائحة أول مرة منذ ٥ سنوات، لم تريني إلا باراتك ومسويقاك الصاخبة ومتاحفك الباذخة. كانت زيارة قصيرة، ثلاثة أيام فقط. من ثم، لم يكن من الصعب عليك أن تغطي ألوانك الحقيقة. بعدها، أي بعد أقل من سنة أبرزت لي أنياب الزبانية الحادة. هكذا، انتقلت من مركزك المخصص للسياح إلى الضواحي المخصصة للمهاجرين ذي البشرة السمراء والأسماء اللاأوربية. أتذكر منذ ثلاث سنوات حين أخبرني أحد المؤجرين بكل بساطة: “آسف ولكنني وعدت جيراني ألا أؤجر لعرب، ولكن هل ترغبين في أن نتقابل لشرب القهوة”. أتذكر مؤجرة أخرى، كانت أقل عنصرية وأكثر ثرثرة، كنت أختبئ منها في غرفتي طول اليوم ولا أطبخ إلا بعد أن أتأكد من نومها، لكي أتفادى أحاديثها الطويلة التي فوتت علي الكثير من المواعيد. كنت أسميها وحش العتبة، ولكنها كانت أقل وحشية من المؤجر التالي الذي يؤجر بيته حصرا لمن لا يتكلم الألمانية حتى لا يفهم عقد الإيجار وفخاخه. لم أتلخص منه إلا بمحام، وجزية ونوبات هلع لم أستطع التخلص منها حتى بعد أن زال سببها. كل هذا لأسكنك، ولأحصل على رقم تسجيل يطاردني أينما حللت، ويمنعني من الزلات اللذيذة: كأن أركب الباص بضع محطات دون دفع الأجرة، أو أن أكسر الإشارة، أو حتى أن أمشي في مظاهرة غير مرخصة.

منذ أقمت بك، حرمتني التيه وأنهكتني بالضياع. أتذكر أيام السياحة،  حين كان المشي بلا هدف متعة صافية، اليوم كل خروجة بسبب، وكل هدف يحتاج أكثر من خريطة، وبعض التقلبات الدرامية قبل الوصول. لم أعد أستطيع أن أنظر إليك بعين السائح الذي يبحث عن الغرائب والعجائب، كل ما أراه اليوم مقيد بغرض، ووظيفة، وشيء من الرتابة، وغير قليل من الغضب. غضب من الشتاءات الطويلة، والشمس الباردة، والبشر المتوحدين، والسياح المُصرين على أسطرتك. كلما التقيت بواحد من هؤلاء السياح الذين لم يجربوا نار الإقامة فيك بعد، أرى في عيونهم حسدا ورغبة حارقة للاستقرار، ربما كما شعرت أنا ذات يوم. أفكر في الحقيقة المرة، وأرغب في أن أخبرهم بأن برلين الأسطورة مؤقتة كأيام المشمش سرعان ما تنقضي حينما تقدم للفيزا، أو حين ترغب في فتح حساب بنكي، أو في مجرد أن تبعث رسالة في البريد. في المرات القليلة التي فضحتُكِ فيها لسياحك المقلقلين بين الجنة والنار، ضحكوا علي، وأخبروني بعبارة أو بأخرى أنني “بورينغ”، “اي-سوشال”، و”أن ما أضيعك علي”. تعلمت الدرس، وانضممت إلى اللعبة، أصبحت كلما التقيت بواحد من أولئك الذين تعبوا من جناتهم، أمتدحك باستفاضة، أخبرهم عن حدائقك، وعن حيطان الكرافيتي، وعن الهبسترز الذين يملأون مقاهيك. أسكت عن الألمان الباردين، وعن الشقق الغالية الممنوعة تقريبا عن كل من يحمل اسما عربيا. أسكت كذلك عن الشتاء القارس الذي لا يكاد ينتهي ليبدأ. وأسكت عن أشياء أخرى. لا حقارة أو شرا، وإنما لأني أعرف أنهم لن يشفوا من حبك إلا بالعيش فيك.

مودتي،

أسماء