Freedom and the Right to the City

 Randa Bashla

 

In Spring 2022, Randa Bashlah participated in the Socrates course ‘‘I, We and Freedom in the City’’, an evening course in Sociology and Political Philosophy instructed in Arabic language. As the last assignment in the course, participants were asked to wander aimlessly in Berlin, and to transcribe their thoughts, impressions and feelings. Curiously, this simple exercise generated vastly different texts, which have only Berlin in common: Randa’s text, ‘‘Freedom and Right to the City’’, dwells on the notion of the right to the city through the figure of a stray cat, which ‘‘invades’’ the author’s apartment the moment she let her in, demanding the right to stroll, leave and come up according to its mood. Through the cat, the author recalls different cities she lived in, including Cairo and Damascus, comparing how each of them allowed her different limits to be herself, and to act as a ‘‘resident’’ with a right to familiarity, and belonging. The text is intimate and personal, it is about “domesticating” a new place.

 

الحق والحرية في المدينة

 

هل شعورنا بالاستحقاق هو ما يدفعنا لتغيير أماكن ولادتنا واختيار مدن تناسبنا؟ وكيف نختار المدن؟ هل حقاً نحن من نختارها أم هي التي تختارنا؟

 

أيقظتني هذه الأسئلة من نومي في الرابعة والنصف صباحاً، وأخذتني إلى طاولة الطعام في مطبخ ببيت مشترك في برلين.

 

في الحقيقة، لا أعلم بالضبط ما الذي أيقظني، أ هي المدينة وأسئلتي عنها، أم أنها القطة المشردة التي تستقبلني عند عودتي كل يوم، أثناء ركني لدراجتي بجانب الحديقة الخلفية. ترافقني إلى مدخل البناء، تسبقني بخفة على السلالم، وتسابقني إلى أن تصل عتبة الشقة قبلي. هناك، تنتظرني لأفتح الباب، لتدخل وتمارس حريةَ وسيادة منحتهما لنفسها دون أي استئذان. إنها تعرف جيداً كيف تعبر عن ذلك الاستحقاق الذي منحته لنفسها؛ ذلك الاستحقاق الذي بدأ خجولاً، ثم تطور لدرجة باتت تسمح فيها لنفسها أن تنام في فراشي وتوقظني في الفجر لكي أخرجها، لتبدأ من ثم جولتها في الحي بصحبة راكون، يكتفي بالظهور والاختفاء بخجل دون أن يقلل راحة أحد أو يقتحم حياته، على عكس رفقيته (ورفيقتي؟). 

 

تركتني تلك القطة مع شعور مرتبك وأفكار مبعثرة حول الاستحقاق ومن أين ينبع هذا الشعور؟ هل يأتي بعد الشعور بالتحرر أم قبله بكثير؟ هل نكتفي بالشعور باستحقاقنا أم أننا كذلك نطالب به؟ هل من كيان يملك الحقوق ويوزعها؟ وبالتالي، يقرر أصحاب الحق في المدينة؟ وهل الحق في المدينة فطري، يولد مع أبنائها أم أنه كذلك قد يمتد لمن حلّوا بها وأخذوا حقهم  غِلابا؟ هل الاستحقاق مخوّل لكل من شعر به أم أنه ابن شروط تتجاوز الشعور؟

 

 بما أن هذه قصتي، وأنا من يختار الإجابات فيها. فقد اخترت مشاركتكم الحقيقة، لأنني أؤمن بأن الأخيرة ملكية عامة، تماما مثلما يجب أن تكون المدينة. لا اقصد هنا التملك فلا أحد يمكنه أن يمتلك المدينة، نحن محض عابرين، ندور في مداراتها، ونتوه، ونعود، ونلتقي، ونفترق، ونمشي، ونتنقل، ونركب، ونعبرها، وتعبرنا. أؤمن أنه من الممكن اختيار الحقائق التي نؤمن بها، كما يمكن اختيار المدن التي نرغب في أن نعيش فيها، فقط، عندما نشعر بذلك الاستحقاق. ولكن كما تُسرق الحقائق، وتشوه، وتُخفى، فالمدن أيضاً يمكن أن تُسرق، ويُسرق معها شعورنا بكوننا كفؤا للعيش فيها.

 

لطالما ارتبطت الحرية بعلاقتي بالمدن وقد تكون أهم عوامل تشكيلها في وعيي. أذكر جيداً أول مرة عشت فيها  بدمشق كمقيمة وليس كزائرة، فقد قصدتها قبل ذلك مراراً وتسكعت في شوارعها كثيراً، ولكن بحدود: كانت زياراتي مرتبطة بمهمة ما، وبالتالي مقترنة بوقت محدد والتزامات أخرى. ولكن في أول يوم لي في دمشق كطالبة مقيمة، لها متسع من الوقت للاستكشاف، لامس شيء ما الطفلة بداخلي، تلك التي تتشوف للحرية منذ الأزل، تلك التي عاشت معي سنيناً طويلة من الصبر والترقب والشوق ليوم كهذا.

 

أحببت فكرة السفر بحقيبة واحدة، لا تحتوي إلا الأشياء الضرورية التي احتاجها من قريتي أو مدينتي الصغيرة التي لم أعد أعود اليها، إلا لرؤية أهلي وتبديل محتويات الحقيبة. كنت أمقتها وأمقت كل شيء فيها، باسثتناء بيتنا المليء بالأشجار التي تميزه عما حوله من البنايات الرتيبة، وباستثناء عائلتي التي أحبها (الأقل تميزاً عما حولها). هكذا، تركت خلفي كل ثقيل غير مرغوب، من قبيل: القيود، والقواعد، والأشخاص، وكل مزعج مريب لا أملك القدرة على تغييره. كانت تلك لحظة محورية في حياتي، جعلتني أفهم كم كانت تلك الطفلة وديعة ومسالمة في انتظارها وترقبها، وكم كانت عنيدة في تمسكها بحلمها: الحرية.

 

حملت تلك الطفلة بعدها إلى القاهرة، وكذلك  إلى برلين. وكان الشيء الوحيد الذي يهدد علاقتي بكل هذه المدن، أو الـ “deal breaker”، هو مدى الحرية والعفوية التي تمنحها لي هذه المدينة. وبغض النظر عن أشكال الحرية التي كنت أسعى إليها (أو أهرب من نقيضها)، أعتقد أن الحرية في مطلقها هي إمكانية الاختيار وإمكانية تغيير الاختيارات، التي ما تلبث أن تبث فينا شعورا باستحقاق معين يجعلنا نغير مساراتنا نحو خيارات تشبهنا أكثر. ولكن لنعرف ما يشبهنا، علينا أولاً أن نكتشف أنفسنا. هذا الكشف أو الاكتشاف لا يتسير إلا في المدن الكبيرة المتنوعة والخلاقة مثل دمشق، والقاهرة وبرلين. ويبقى أنه كما علمتني القطة الغريبة أن الاستحقاق لا ينبع من المكان، وإنما من شعورنا بحقنا فيه الذي وإن بدأ خجولا، إلا أنه ما يلبث أن يتطور إلى أن “يحتل” المدينة برمتها.